هل ستنقذ ألمانيا منطقة اليورو؟
لا تزال أصداء اجتماع المركزي الأوروبي يوم الخميس السابق عالقة في الأذهان. فالتقارير التي أفادت تهديد رئيس المركزي الألماني بالاستقالة في الأسابيع الأخيرة على خلفية المفاوضات الجارية لحض المركزي الأوروبي على اتخاذ سياسي للحد من أزمة الديون قد أضافت منعطفًا جديدًا لملحمة الديون السيادية. وكانت ميركل قد كررت دعمها لـ (ينس فايدمان)، رئيس المركزي الألماني، مشيرة إلى أن شائعات استقالته عن منصبه بأنها محض دخان بلا نار. إن آخر شيء يرغب المركزي الأوروبي في سماعه هو حدوث تغييرات في القيادات العليا في هذا التوقيت، لذا فإذا ما استفحلت هذه القصة وصارت بمرتبة الحقائق فإنها قد تسبب بعض ردود الفعل السلبية على الأصول القائمة على اليورو.
وبرغم أن قضايا الموارد البشرية في البنك المركزي الألماني تستحق الاهتمام والمتابعة من المستثمرين، إلا أن ما يرغب المتاجرون في معرفته حقيقة يتعلق بما إذا كان المركزي الأوروبي سيقدم على المزيد من مشتريات السندات هذا الأسبوع؟ وكان عضو البنك السيد (كوير) قد قال يوم الجمعة بأن البنك يعكف على دراسة طرق للتدخل في سوق السندات قصيرة الأجل قيامًا على ‘شروط صارمة وعلى برنامج آلية الاستقرار المالي الأوروبي EFSF/آلية الاستقرار الأوروبية ESM”. وكانت السوق قد تم تأهيلها لتوقع إعلان عن برنامج لشراء السندات من المركزي الأوروبي في اجتماعه هذا الأسبوع، فإذا فشل البنك في تقديم ما يتوقعه المستثمرون فقد يُتهم بتضليل الأسواق. ومع ذلك، فإن أعضاء البنك كانوا في غاية الوضوح حينما قالوا بأنه لن تكون هناك مشتريات للسندات إذا لم تتقدم أسبانيا بطلب مساعدة رسمية من الـ EFSF/ESM. وحاليًا يبدو ذلك مستبعدًا خاصة وأن رئيس الوزراء الأسباني قد أخّر السعي للمساعدة الرسمية الأسبوع السابق حتى برغم أن المناطق الأكثر تمتعًا بالحكم الذاتي من الأمة الأيبيرية تواصل استنزاف صندوق الإنقاذ الأسباني الذي تبلغ قيمته 18 مليار يورو.
وعليه، تبدو الأسواق وقد تركت في حالة تعطش للمزيد من قبل المركزي الأوروبي والذي لا يفعل سوى أقل القليل وبعد فوات الأوان للأسف. ورغم رغبة «دراجي» في المحافظة على تماسك كتلة العملة باستخدام قوته المالية لحماية أسواق السندات الاسبانية والإيطالية، إلا أنه قد لا يكون قادرًا على ذلك بدون دعم كامل من المركزي الألماني وقبل صدور قرار المحكمة الدستورية الألمانية بشان قانونية صندوق الإنقاذ طويل الأجل لآلية الاستقرار الأوروبية ESM والمقدم لكتلة العملة، ومن المقرر أن يصدر الحكم في 12 سبتمبر المقبل.
وقد انعكست المشكلة التي تواجه البنك المركزي الأوروبي ECB في البيانات الاقتصادية ليوم الجمعة: حيث جاء التضخم أقوى – حيث ارتفع إلى 2.6% في أغسطس مقابل 2.4% في يوليو، فيما سجلت البطالة مستوى جديدًا 11.3% في يوليو. كيف إذن يتأتى للمركزي الأوروبي أن يساعد بلدان مثل أسبانيا على إعادة بناء اقتصادها المتحطم بينما الجهات المعادية للتضخم مثل المركزي الألماني تظل على عنادها إزاء أي شيء تفوح منه رائحة التمويل الحكومي؟ هذه هي المشكلة الحقيقية التي يتعين حلها، والسؤال هو هل ستُحل هذه المشكلة قبل الخميس المقبل؟
سيكون اجتماع المركزي الأوروبي محور اهتمام هذا الأسبوع بعد أن جاءت تصريحات محافظ الاحتياطي الفيدرالي باهتة ولم تحو الكثير فيما يتعلق بالخطوة التالية للبنك خلال الخطاب الذي ألقاه في جاكسون هول في الولايات المتحدة الجمعة الماضية. وقد بدا المحافظ قلقًا على حالة الاقتصاد، وأعلن قائمة بالخيارات المتاحة أمام البنك، إلا أنه لم يجب على السؤالين الذين توجهت الأنظار لإجابة عليهما، وهما: 1، ما نوع الإجراء الذي سيتخذه البنك، و2، ما توقيت هذا الإجراء. ولكن في الوقت الذي تظل فيه الآمال قائمة بمزيد من التيسير الكمي من الاحتياطي الفيدرالي، نجد على الجانب الآخر وقد نفذ صبر الأسواق إزاء المركزي الأوروبي ومسئولي منطقة اليورو. فبدون الدعم الألماني، لن يتسنى لمنطقة اليورو أن تحيا وتستمر، وإذا لم تقف برلين إلى جوار المركزي الأوروبي في اجتماع هذا الأسبوع، سنشهد عملية بيع مكثفة وحادة في العملة الموحدة وغيرها من الأصول القائمة على اليورو. وبنفس الطريقة قد تبدأ عوائد السندات الأسبانية والإيطالية في الارتفاع مرة أخرى. أما المستويات التي سننتظرها فهي: قد تسهم رسالة إيجابية من رئيس المركزي الأوروبي يوم الخميس في ارتفاع زوج اليورو/دولار أمريكي EURUSD فوق مستوى 1.2630 إلى 1.2750. إلا أن أي نتائج محبطة قد تسبب عملية بيع مكثفة. فإذا ما جاء البيع المكثف حادًا وعنيفًا، فقد يخترق الزوج مستوى 1.2435 – وهو قمة مؤشر إيشيموكو كلاود على الرسم البياني اليومي، وعند أقل من هذا المستوى سنشهد نهاية الاتجاه الصعودي الفني.
ورغم أن المؤتمر الصحفي للمركزي الأوروبي هو أبرز أحداث هذا الأسبوع، إلا أن هناك بيانات اقتصادية أخرى مهمة يجب متابعتها عن كثب وتشمل بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر أغسطس، والقراءة الثانية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، والذي من المتوقع أن يظل بدون تنقيح عند مستوى -0.4%. كما يتوقع أن تظل بيانات مؤشر مديري المشتريات على تمرغها في وحل الانكماش. وبالمثل، من المتوقع أن تهبط أسعار التجزئة في يوليو مقارنة بيونيو، بما ينهض كمؤشر على إمكانية دخول منطقة اليورو في حالة كساد رسمية (نتيجة لربعين سنويين متعاقبين من النمو السلبي) في الربع الثالث. كما تستحق المتابعة كذلك بيانات الميزانية وبيانات البطالة عن شهر أغسطس في أسبانيا.
التضخم السويسري وربط الزوج يورو/فرنك سويسري EURCHF
يتعرض المركزي السويسري SNB لتقلبات في احتياطي النقد الأجنبي منذ تفعيل العمل بالقاعدة السعرية 1.20 في زوج يورو/فرنك سويسري EURCHF في أغسطس الماضي لتحجيم الضغوط الصعودية على الفرنك السويسري. فقد شهد البنك ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 50% خلال الأشهر الأربعة السابقة لشهر يونيو إلى 365 مليار فرنك سويسري، وهو ما يمثل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي السويسري في الربع الثاني من هذا العام. وتتمثل المشكلة بالنسبة للمركزي السويسري في نوعية الإجراء الذي سيتخذه حيال اليورو الذي يمتلكه وكيف يمكنه تنويع أرصدته لخفض المخاطر التي تنطوي على امتلاكه العملة الموحدة المتعثرة. وقد قال البنك أنه في سبيله للانتقال إلى عملات السلع مثل الدولار الأسترالي AUD والدولار الكندي CAD، إلا أنه الدولار الأسترالي يبدو ضعيفًا نتيجة لتباطؤ الاقتصاد الصيني وارتفاع أسعار السلع.
ورغم تزايد المشكلات المرتبطة بربط العملة كل شهر، إلا أنه ليس من المرجح أن يقوم المركزي السويسري بوضع نهاية لسياسته قريبًا. حيث يظل البنك متمسكًا بتصريحاته عن ضرورة هذا الربط لحماية النمو الاقتصادي والحيلولة دون حدوث الانكماش. ونظرًا لأن سويسرا تستورد الكثير من السلع والخدمات، فإن قوة العملة سيعني تراجع التضخم. والاقتصاد بالفعل في حالة انكماش – حيث هبطت الأسعار بنسبة سنوية 0.7% في يوليو. وستصدر بيانات أغسطس يوم الأربعاء، والتي يتوقع أن تظهر ارتفاع التضخم بشكل طفيف في هذا الشهر، ولكن يتوقع المتحللون أن تهبط الأسعار على أساس سنوي بنسبة 0.4%. وقد يدافع المركزي السويسري عن موقفه بأنه لولا هذا الربط لجاء الانكماش أكثر سوءًا، ومن ثم فإن بيانات التضخم الأخيرة قد تكون بمثابة مبرر آخر يدفع البنك للمحافظة على قاعدة 1.20 في الزوج يورو/فرنك سويسري EURCHF.