إن الأضرار التي لحقت بالفعل بمنطقة اليورو نتيجة التأخير وفشل السياسات سوف تدفع بالعملة الأوروبية للانخفاض، وربما لمستويات أكثر عُمقًا . وحتى إذا ما قرر الناخبون في اليونان الخروج من هذه الهاوية ورفض أصوات الإنذار التي يطلقها (سيريزا)، إلا أن مجمل المخاطر التي يعانيها اليورو في ازدياد مع اتجاه (أسبانيا) المتسارع نحو الانهيار الاقتصادي والسياسي. وقد بات الخيار أمام منطقة اليورو وألمانيا على وجه الخصوص أكثر وضوحًا، حيث صار عليها أن تختار بين اتحاد اقتصادي وسياسي يمتلك عملة تعاني ضعفًا حادًا أو منطقة يورو أقل مساحة مع ما يستتبع ذلك من انخفاضات كبرى في أسعار العملة لمجموعة البلدان المنسحبة من منطقة اليورو.
ولحين أن يُتخذ هذا القرار، سوف يستمر تدهور اليورو متأثرًا سلبًا بالتدفقات الرأسمالية الخارجية. وسيكون هناك دومًا خطر حدوث موجة تصحيحية حادة لارتفاعات اليورو، ولكن هجرة رأس المال ستضمن إجمالاً قيمة أكثر ضعفًا لليورو، خاصة بالأخذ في الاعتبار الضرر الذي لحق الاقتصاد الأوروبي بالفعل، وسيظل اليورو جذابًا للبائعين المكثف عند أي ارتفاعات للأسعار.
وستتجه الأنظار بشكل أكبر إلى أسبانيا على مدار الأسبوع المقبل مع إقبال البلاد على كارثة اقتصادية. ورغم أن الضرر الاقتصادي والمالي الذي سيلحق بمنطقة اليورو في حالة انسحاب اليونان سيكون شديدًا للغاية، إلا أن تقييم البنك المركزي الألماني حول إمكانية التعامل مع هذا الضرر قد يكون صحيحًا. وفي المقابل، فإن أسبانيا تملك القدرة على إغراق اليورو معها. وقد أعلن البنك الأسباني (بانكيا) يوم الجمعة أنه سيحتاج إلى 19.5 مليار يورو إضافية لمعاونته على تلافي الإفلاس، ليبلغ الإجمالي بذلك 23.5 مليار يورو، وسوف تلقى وعوده بعدم احتياجه مستقبلاً للمزيد من المعونات شكوكًا كبيرة على الأرجح. إن القطاع المصرفي لأسبانيا ككل يظل شديد الضعف أمام المخاطر وقد يكون الموقف صعبًا كفاية إذا كان الاقتصاد الأسباني يحقق نموًا.
ويبعث على الأسى كذلك أن العكس صحيح مع توقع انكماش الاقتصاد مرة أخرى في 2012 بسبب التراجع الإقليمي والإجراءات التقشفية المفروضة. ويستمر انكماش الديون المطلوبة للقطاع الخاص، كما أنه من المتوقع أن يتقلص الإنفاق الحكومي بشكل حاد في محاولة لتحقيق أهداف ميزانية الإتحاد الأوروبي. ومن الناحية السياسية، سيكون من المستحيل على الحكومة الأسبانية إبقاء برنامجها للتقشف. إن أرقام البطالة صادمة بالفعل مع اقتراب النسبة الإجمالية من 25% وتصاعد مخاطر التوترات الاجتماعية. وثمة قطاع من الناخبين على استعداد لتقبل حالة التقشف المؤقتة في مقابل أي طمأنة بمستقبل أفضل وتحسن الاقتصاد. أما إذا لم تكن هناك بارقة أمل، فإن تبعات ذلك قد تكون خطيرة وسوف ينفجر الدعم الحكومي.
إن الخيار يقع في يد ألمانيا. فإذا ما أرادت ألمانيا المحافظة على اتحاد نقدي أوروبي يتمتع بالثقة، فإن عليها أن تتقبل التغيرات السياسية والتبعات الاقتصادية، وبشكل لا يختلف عما تحملته من تكلفة لتوحيد شطري ألمانيا في السابق. وسوف تأخذ هذه التكلفة المتوقعة شكل تضخم أكبر وزيادة في الضغوط الواقعة على الميزانية وسياسة نقدية أكثر توسعية. فإذا لم تكن لديها الرغبة في تقبل التكلفة، فليس من خيار آخر سوى انفصام عرى منطقة اليورو.
وقد بدأت أساليب التخويف المستخدمة مع الناخبين في اليونان تؤتي ثمارها مع اتجاه استطلاعات الرأي لتأييد الحزب الديمقراطي الجديد المؤيد للتقشف في آخر استطلاعات منشورة. ولم يكن لهذا التحول بالطبع صلة بأي تأييد التقشف، ولكنه نبع من الخوف من أن البدائل الأخرى قد تكون أكثر سوءًا. ولو طرأ تغير آخر هذا الأسبوع فقد يؤدي هذا إلى بعض الإنقاذ لليورو، وهو ما يمكن أن يحققه كذلك التصويت بنعم في الاستفتاء الأيرلندي المتوقع يوم الخميس.
وثمة بيانات اقتصادية أمريكية مهمة يحملها لنا هذا الأسبوع، وتأتي على رأسها تقرير التوظيف الأمريكي بغير القطاع الزراعي يوم الجمعة. وتبدو بيانات ثقة المستهلكين باعثة على التفاؤل بشكل عام، رغم أن احتمالات حدوث مفاجآت سارة تبدو بعيدة. وسوف تشغل بيانات التوظيف اهتمام أيام باقي الأسبوع مع صدور تقرير التوظيف الأمريكي بغير القطاع الزراعي يوم الأربعاء، ويليه معدلات الشكاوى من البطالة الأسبوعية يوم الخميس، ثم تقرير التوظيف الأمريكي بغير القطاع الزراعي يوم الجمعة، والذي يعتبر على درجة كبيرة من الاهمية.
ومن المقرر أن يصدر التقرير السياسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي في 20 يونيو المقبل، وستكون للأخبار الصادرة اعتبارًا من اليوم تأثير قوي على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية. وسيكون البنك في حالة من الترقب إزاء التهديدات الداخلية والخارجية. كما سيكون المستقبل المرتقب لمنطقة اليورو محل اهتمام كبير لما لخروج اليونان غير المحسوب من منطقة اليورو وما سينجم عنه من آثار العدوى الحتمية على مستقبل للولايات المتحدة وتطلعاتها. وداخليًا، سيتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي إجراءاته إذا ما أصاب الاقتصاد الأمريكي تدهور حاد. وسيضع المسئولون حدًا معينًا لتقرير التوظيف الأمريكي بغير القطاع الزراعي عند النظر في احتمالات التدخل بمزيد من التيسير الكمي. فأي رقم يزيد عن 100.000 لن يقود لأي تغييرات على الأرجح في هذا التوقيت.
ستكون أخبار مؤشر مديري المشتريات بالقطاع الصناعي مهمة يوم الجمعة، وسيدعم أي هبوط متجدد لأقل من مستوى 50 نقطة التوقعات بأن بنك انجلترا سيضطر لمزيد من التيسير الكمي الإضافي في اجتماعه المرتقب في يونيو. وفي الواقع، ستكون منطقة اليورو هي المهيمنة على الأرجح على قرارات لجنة السياسات النقدية مع كون الاقتصاد البريطاني طافيًا في محيط من عدم اليقين.
وسيكون مؤشر مديري المشتريات الصيني الرسمي محل اهتمام ومتابعة وثيقة يوم الجمعة. وكان مؤشر بنك HSBC قد تدهور مرة أخرى في مايو وتراجع لأقل من 50 نقطة للشهر السابع على التوالي. وكان المؤشر الرسمي فوق مستوى 50 نقطة، ولكن تكتنف هذه البيانات شكوك متنامية. وستتابع الأسواق كذلك القراءة الختامية لبنك HSBC بشكل وثيق وترى ما إذا كانت هناك أي تفاوتات إضافية بين المؤشرين. وفي هذا السياق، ستكتسي البيانات الصينية الرئيسية مثل استهلاك الطاقة أهمية كبيرة بالنسبة للثقة، وستواصل البيانات الضعيفة تقويضها لشهية المخاطر.
وفي هذا السياق، سيكون للأجواء الأوسع المحيطة بالأسواق الناشئة أثر مهم على النظرة العامة للدولار أثناء الأسبوع المقبل وسيكون هذا التأثير أكثر من مجرد حركات تصحيحية محدودة.