ليس هناك ما هو أخطر في الأسواق المالية من أن تسعى الحكومات والبنوك المركزية في محاولات لكسب الوقت في الوقت الذي تحاول فيه الأسواق بلا رحمة استغلال حالة الضعف القائمة حاليًا. ورغم أن تعديل المراكز المالية يظل أحد القوى قصيرة الأجل، إلا أن اليورو في النهاية في موضع لا يؤهله لأي فوز. وإذا استطاع المركزي الأوروبي أن يدفع قدمًا بخططه لإطلاق برنامجه المكثف لشراء السندات بإجراء خفض في أسعار الفائدة، فسوف يحصل تحسن في الشهية للمخاطر، بيد أن هذا لن يدعم اليورو حيث سيزداد اللجوء إليها كعملة تمويل عالمية.
وإذا قرر المركزي الألماني والحكومة الأسبانية عدم التعاون معًا وإخراج خطة التدخل التي لا تزال في مهدها عن مسارها، فإن أزمة اليورو سوف تندلع بقدر أكبر من السمية والعنف، وهو – على الأقل في البداية – ما سيضع اليورو تحت ضغوط بيع قوية. وكما هو الحال طيلة الأشهر السابقة في 2012، يظل اليورو مؤهلًا للبيع القوي عند حركات الارتفاع . وقد أرسى المركزي الأوروبي خطته المحتملة التي تهدف لإنقاذ منطقة اليورو من خلال عمليات شراء مكثفة للسندات، ولكن الإطار اللازم لهذا التدخل ليس قائمًا. ومن ثم، سينشأ فراغ خطير على الأجل شديد القصر، بينما تواصل أوروبا بشكل مؤلم عملية إعادة الترتيب البطيئة للقطع على رقعة الشطرنج.
وكان المركزي الألماني لافتتا للأنظار في الصمت المطبق الذي ظهر عليه منذ المؤتمر الصحفي الذي عقده «دراجي» الخميس الماضي. ولا شك أن المركزي الألماني يشعر بقلق شديد إزاء تداعيات تجدد شراء السندات، وصمته هذا يقول الكثير. وكان رئيس المركزي الألماني السيد «فايدمان» مستشارًا اقتصاديًا مهمًا للمستشارة الألمانية «ميركل» وتظل هذه العلاقة عاملًا محوريًا في مستقبل اليورو. فإذا ما اختر «فايدمان» أن يكون على قدر المهمة، ستكون محصلة ذلك تخلي «ميركل”» عن تحفظاتها المهمة وشن هجوم قوي للحفاظ على اليورو. أما إذا ما تنحى رئيس البنك المركزي، فإن أزمة منطقة اليورو ستدخل مرحلة جديدة وربما أخيرة.
كما ستتم متابعة الموقف الأسباني عن كثب أثناء الأسبوع المقبل. وستتعرض أسبانيا لضغوط شديدة للخنوع إلى طلبات دول النخبة في منطقة اليورو من أجل التقدم لطلب حزمة إنقاذ من آلية الاستقرار المالي الأوروبي EFSF. وهذه خطوة من شأنها أن تشكل دافعًا رئيسيًا يدفع المركزي الأوروبي لإطلاق جولة من التيسير الكمي. ويتطلع رئيس الوزراء الأسباني «راجوي» لكسب المزيد من الوقت لتقييم الشروط الخاصة بهذه المساعدة، في الوقت الذي يبدو فيه في غاية العصبية إزاء التداعيات السياسية الداخلية التي ستترتب على تطبيق خطة إنقاذ. وليس هناك ثمة إمكانية حقيقية بتجاوز هذا الموقف بدون أضرار، فضلاً عن الخطر المحدق بأن أسبانيا ككل ستكون قد وصلت إلى نقطة اللارجعة، والتي فاقت فيها تكلفة استمرار عضويتها في منطقة اليورو المزايا العائدة.
وفي خضم هذه الأحداث ودوران رحى الأزمة حول أسبانيا، كاد الجميع ينسى اليونان، في الوقت الذي ستنفذ فيه السيولة لدى الحكومة اليونانية في غضون أسبوعين في 20 أغسطس، ومع رفض الدائنين الشديد لتمديد التمويل الإضافي، وتزايد الضغوط والتوترات قبل هذا الموعد. وستكون محصلة كل ذلك على الأرجح هي انكماش منطقة اليورو إذا ما أرادت البقاء، واتخاذ أسبانيا واليونان قرارًا بوقف عضويتها في نادي اليورو.
ومن المقرر صدور أهم البيانات الأمريكية يوم الخميس، وهي آخر بيانات الميزان التجاري وبيانات معدلات الشكاوى من البطالة. وسيكون مجمل آثر هذه البيانات محدودًا، رغم أن بيانات الميزان التجاري ستكون مهمة في تقييم أحجام التبادل التجاري ومدى قابلية الولايات المتحدة للتأثر بمشكلات تجارية عالمية خلال الربع الثاني. وستتم متابعة التعليقات الصادرة عن مسئولي الاحتياطي الفيدرالي عن كثب، رغم أن سبتمبر سيكون على الأرجح هو الشهر الأهم من زاوية سياسات البنك.
كما ستتم متابعة بيانات التصنيع البريطانية عن كثب يوم الثلاثاء حيث من المقرر أن تدفع العطلات والإجازات بهبوط شهري حاد. وسيكون تقرير التضخم عن بنك انجلترا أكثر تأثيرًا يوم الأربعاء، وسينقل على الأرجح قراءة مرتفعة مع محاولة البنك مجابهة الضعف المحلي، وتراجع النمو في المعروض النقدي وانهيار الطلب من منطقة اليورو.
كما سيعلن بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) آخر سياساته النقدية يوم الثلاثاء، في ظل عدم وجود أسباب قوية تدفع البنك باتخاذ إجراءات إضافية في هذه المرحلة. كما ستنشأ يقينًا حالة من القلق إزاء النظرة الإقليمية، ولكن الاحتياطي الأسترالي يستطيع تحمل الانتظار وتقييم التطورات.
وسوف يواجه بنك اليابان ضغوطًا لاتخاذ مزيد من الإجراءات في اجتماعه للسياسات المقرر يوم الخميس. وسيسود حتمًا شعور عارم بالإحباط في البنك ووزارة المالية اليابانية، حيث تبينت مدى الصعوبة الكبيرة في تقليل حالة الانكماش القائمة في الاقتصاد، في الوقت الذي تتعرض فيه الجهود التي يبذلها البنك لمنع ارتفاع قيمة الين للتعثر، بسبب السياسات النقدية في البنوك المركزية الاخرى في العالم.
وستكون بيانات التضخم الصينية يوم الخميس مهمة، في الوقت الذي قد يؤدي فيه الهبوط الحاد في التضخم في يوليو إلى حدوث خفض جديد في متطلبات الاحتياطي الخاصة بالبنك المركزي الصيني. كما سيتكون بيانات الميزان التجاري الصيني مهمة هي الأخرى بالنسبة لحالة المعنويات في السوق العالمية يوم الجمعة، فأي هبوط حاد في أحجام التبادل التجاري سيهبط بشهية المخاطر كما سيزيد من حالة القلق السائدة في جنبات الحكومة الصينية.