حتى لو استطاعت اليونان أن تشكل حكومة ائتلافية بعد انتهاء انتخاباتها الأخيرة، إلا أن المزاج العام يظل باعثًا على الكآبة ولن تقدم النتيجة ما يمكن أن يدعم الاستقرار على المدى المتوسط. فمن غير تغير جوهري في السياسات في منطقة اليورو ككل، فإن صافي التدفقات الخارجية لرؤوس الأموال ستعود بالضعف على اليورو، خاصة مع تدهور الثقة العالمية في المنطقة بشكل جسيم. ومع بقاء البنوك المركزية العالمية في حالة من الترقب والاستعداد الشديدين للتصرف بشكل سريع لمنح أكسجين السيولة بغية منع حدوث اضطرابات في السوق، سيظل التوجه الهبوطي للغاية في اليورو والأصول عالية المخاطر خطرًا بشكل يجعل من البيع أثناء حركات الارتفاع هو أفضل إستراتيجية في الوقت الراهن.
ورغم أنه لم تُعلن رسميًا بعد نتائج الانتخابات اليونانية، إلا أن حزب الديمقراطية الجديدة في سبيله لانتصار محدود بلا أغلبية. وتظل اليونان تعاني جروحًا كبيرة ولن تشهد احتفالات كبيرة، حيث باتت الانقسامات وحالة اليأس السائدة علامة على عدم الثقة العريضة في السياسات الراهنة لمنطقة اليورو. وسوف تنشأ ضغوط دولية هائلة على اليونان لكي تشكل حكومة متماسكة، خاصة وأن أي شيء بخلاف ذلك سيكون له أثر في عدم استقرار باقي أرجاء منطقة اليورو. ومهما تكن تشكيلة الإدارة اليونانية، فلا شك أنها ستتطلع كذلك لتغير شروط حزمة الإنقاذ، بيد أن يدها ستكون ضعيفة في هذا الخصوص.
وثمة خطر كبير من أن أي تحالف يوناني سيكون من الضعف بحيث أنه سيعجز عن الحكم أو التفاوض بالكفاءة المطلوبة. وسيظل الموقف الألماني عاملاً حاسمًا بما لا مفر منه على مدار الأيام القليلة القادمة ويبدو على الأرجح أن الصبر سينفذ سريعًا حتى ولو كانت هناك بضعة تنازلات قليلة في الأفق.
ويظل احتمال نشوء منطقة يورو أصغر مساحة وأكثر صعوبة عاملاً مهمًا كان له أثره في منع اليورو من الانزلاق بدرجة خطيرة في الاتجاه الهبوطي، وسيظل هذا عاملاً حاسمًا في إبقاء اليورو بعيدًا عن الغرق. وبدون هذا السيناريو، ستتم حركة تداولات اليورو بقرب مستوى التعادل مع الدولار الأمريكي. ولا تزال مجمل المخاطر تميل إلى كفة ضعف اليورو بالأخذ في الاعتبار النزيف المستمر في التدفقات الخارجية لرأس المال ويظل البيع عند حركات الارتفاع هو أفضل خيار، خاصة وأن الضغوط الواقعة على البنك المركزي الأوروبي ستكون شديدة.
ستكون الدراما اليونانية مثيرة للانتباه بشكل كبير، وذلك رغم أن التطورات في غيرها من الأماكن سيكون لها تأثير مساو هي الأخرى وبشكل أكبر على منطقة اليورو ككل. فمن الناحية الاقتصادية، ستكون التطورات الجارية في أسبانيا وإيطاليا مهمة على النظرة العامة لليورو. وكانت عوائد السندات قد ارتفعت بشكل حاد الأسبوع الماضي مع ملامسة عوائد السندات الأسبانية لأجل 10 سنوات مستوى 7.0% وسيكون لعوائد السندات لهذا الأسبوع تأثيرًا حاسمًا. كما سنحتاج لمتابعة التطورات السياسية الداخلية متابعة وثيقة، خاصة مع وجود أدلة على تصاعد حالة الإنهاك والسخط والسياسي. وثمة خطر كبير من اشتداد حدة المقاومة إزاء السياسات الاقتصادية الراهنة في اليونان وأسبانيا وإيطاليا.
وببساطة، لا توجد وسيلة يمكن بها تحقيق استدامة مزيج السياسات الراهنة، فليس من الممكن أن نتنبأ بشكل دقيق بالنقطة التي ستنفجر فيها منطقة اليورو في مسارها الحالي، ولكن قوانين الاقتصاد لا يمكن تجاهلها وبدون النمو سيظل المسار الحالي غير مستدام إطلاقًا. وبغض النظر عن الخلفية السياسية، سوف تزيد الضغوط السياسية على المركزي الأوروبي على الأرجح من منطلقات اقتصادية. وثمة حاجة ملحة لسياسات إنعاشية في اقتصاديات الدول الأطراف في منطقة اليورو. ويمكن أن يتحقق هذا من خلال تفعيل سياسات جذرية داعمة للنمو في أرجاء منطقة اليورو وفي هذه الحالة سيكون على الاقتصاد الألماني أن يتقبل ارتفاع التضخم. وعلى الجانب الآخر، ستحتاج اقتصاديات الدول الأطراف لدفع التنافسية الخارجية من خلال ترك منطقة اليورو. ولحين أن يُتخذ هذا القرار، فليس ثمة نهاية لهذه الأزمة.
وسوف تكون اجتماعات قمة العشرين في المكسيك يومي الاثنين والثلاثاء محور اهتمام رئيسي، خاصة على ضوء توقيت هذه الاجتماعات التي تأتي عقب انتخابات اليونان، مع تأهب البنوك المركزية والحكومات للتفكير في الخيارات المطروحة والاستعداد لضخ السيولة. وإذا نجح القادة في تلافي حالة الذعر المرتقبة في الأسواق، فإن الخطوة التالية ستكون التفكير في تغيير متوسط الأجل في الإستراتيجية.
وسوف يكون قرار لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للاحتياطي الفيدرالي المرتقب يوم الأربعاء محور اهتمام شديد، خاصة مع تجدد المخاوف في الأسواق الرأسمالية. وداخليًا، توالت مجموعة من البيانات الضعيفة على مدار الأسابيع القليلة الماضية مع صدور تقارير محبطة عن التوظيف ومبيعات التجزئة. وفي ظل هذه الظروف، لا يشكك أحد في أن الاحتياطي الفيدرالي سيتبنى موقفًا ناعمًا في اجتماعه الأخير. كما ستظهر يقينًا نداءات من بعض الدول الأعضاء تطالب الاحتياطي الفيدرالي باتخاذ إجراءات إضافية لدعم الاقتصاد. وقد تجمعت دلائل تشير إلى أنه ستظهر بعض المعارضة لإقرار تيسيرات كمية إضافية، لأسباب ليس أقلها تصاعد الشكوك حول ما إذا كانت أي إجراءات إضافية ستكون فعالة في دعم الاقتصاد بينما عوائد السندات في أدنى مستوياتها التاريخية. والنتيجة الأرجح حاليًا هي تمديد العمل بـ «العملية تويست» Operation Twist. وستكون أحدث التوقعات الاقتصادية ونبرة الخطاب الذي سيلقيه رئيس الاحتياطي بيرنانكي في مؤتمره الصحفي في غاية الأهمية على معنويات السوق.
وقد صدرت بيانات اقتصادية في غاية الأهمية على مدار الأسبوع وسيكون لها تأثير مهم على التوجه الراهن وعلى الوضع الاقتصادي العالمي حتى ولو غطت الشوشرة والضوضاء السياسية على آثارها الفورية. وستكون لهذه البيانات يقينًا أهميتها في أن تحدد مدى استنفاذ منطقة اليورو للخيارات المطروحة أمامها.
ومن المقرر أن يصدر مؤشر مديري المشتريات لمنطقة اليورو يوم الخميس. وسيكون هناك اهتمام كبير بالبيانات الصناعية الألمانية في أعقاب سلسلة من القراءات الضعيفة. فإذا جاء مؤشر مديري المشتريات بأضعف من المتوقع، فيزداد التشاؤم المحيط بالنظرة قريبة الأجل وهو ما سيزيد من الضغوط على كل من الحكومات والمركزي الأوروبي. كما سيصدر مؤشر ZEW للثقة في الاقتصاد الألماني يوم الثلاثاء، وأي انزلاق مرة أخرى تجاه النطاق السلبي ستدعم المخاوف بأن القاطرة الألمانية تتعرض للتعثر. ومن المقرر أن يصدر بيان مؤشر IFO لمناخ الأعمال الألماني يوم الجمعة مع هبوط المؤشر بشكل كبير عن شهر مايو/أيار بعد شهور من الصمود. ويعد هذا مؤشرًا مهمًا عن النظرة الفعلية للاقتصاد الألماني، وأي هبوط إضافي في هذا المؤشر سيدعم المخاوف كما سيزيد بشكل كبير من الضغوط الداعية لإجراء اقتصادي.
ومن أبرز سمات الأسابيع القليلة الماضي الضغوط الإضافية الواقعة على دول الاقتصاديات الناشئة «بريك» (والتي تضم روسيا والهند والبرازيل والصين) مع وجود مخاوف خاصة تحيط بالهند والصين. كما بزغت حلقة مهمة من الأسباب والنتائج أفضت إلى زيادة الطلب على العملة الأمريكية نتيجة زيادة الشكوك المحيطة بالأسواق الناشئة. وفي هذا السياق، ستجري متابعة مؤشر مديري المشتريات لبنك HSBC بشكل وثيق يوم الخميس، وسوف يؤدي أي تدهور إضافي هذا المؤشر إلى خفض درجات الثقة.
وفيما يتعلق بالمملكة المتحدة، ستكون آخر محاضر اجتماعات بنك انجلترا مهمة بالنسبة لمستقبل الجنيه الإسترليني، رغم أن الأحداث الجارية ستطغى بشكل مؤكد على هذه المحاضر. كما ستجري متابعة توازن الآراء ضمن لجنة السياسات النقدية بشكل وثيق جدًا مع قيام الأسواق بتقييم احتمالات اتخاذ اللجنة لإجراءات إضافية في اجتماعها المرتقب في يوليو/تموز.